بعد تقرير ويليامز حول قضية البريد البريطانية.. هل يمكن إنصاف وتعويض 10آلاف ضحية؟

بعد تقرير ويليامز حول قضية البريد البريطانية.. هل يمكن إنصاف وتعويض 10آلاف ضحية؟
عامل بريد في بريطانيا

كشف تقرير قضائي بريطاني، نُشر حديثًا، عن الأثر الإنساني المدمر لفضيحة نظام Horizon IT الذي أدى إلى أكبر خطأ قضائي في تاريخ المملكة المتحدة، حيث تم اتهام ومحاكمة أكثر من ألف موظف في مكاتب البريد بناءً على بيانات خاطئة ناتجة عن خلل في برنامج محاسبة.

وأشار التقرير، الذي أعده القاضي المتقاعد السير وين ويليامز، إلى أن أكثر من 13 شخصًا يُعتقد أنهم انتحروا بسبب هذه القضية، في حين فكر 59 آخرون في الانتحار، وهو ما وصفه ويليامز بأنه "أمر مفزع ويكشف عن مدى عمق المأساة الإنسانية" وفق صحيفة "الغارديان" البريطانية.

بين عامي 1999 و2015، حوكم أكثر من 1,000 موظف -بعضهم أدين بالسجن أو بالغرامة- بعد أن أظهر نظام "هورايزون" الإلكتروني خسائر وهمية أو عجزًا ماليًا في حسابات فروعهم.

اتهم التقرير مكتب البريد بـ"الحفاظ على الخيال القائل بأن بيانات النظام دقيقة دومًا"، رغم معرفته بوجود خلل تقني واضح في البرنامج الذي طورته شركة Fujitsu اليابانية.

انهيارات عصبية وإدمان

أورد التقرير شهادات صادمة من ضحايا النظام، بينها اعتراف أحد مشغّلي البريد بمحاولته الانتحار عدة مرات بعد انهياره نفسيًا، ولجوئه إلى الكحول لتخفيف الضغط، وقد نُقل لاحقًا إلى مصحة نفسية مرتين.

وبيّن التقرير أن التفكير في الانتحار لم يقتصر على من حوكموا فقط، بل شمل أيضًا من اتُهموا ولم تُستكمل محاكمتهم. كما لجأ 19 شخصًا آخر إلى إدمان الكحول بسبب ما وصفوه بـ"الملاحقة الظالمة".

ورغم تبرئة بعض الضحايا في السنوات اللاحقة، إلا أن العديد منهم ظلوا منبوذين في مجتمعاتهم المحلية، ولم يستطيعوا محو وصمة العار.

ووفقًا للتقرير، توفي نحو 350 شخصًا قبل أن يحصلوا على تعويض، في حين يعاني العديد من أسرهم اضطرابات نفسية ومشكلات مالية خانقة.

تأخير التعويضات 

حتى الآن، قدم أكثر من 10,000 شخص طلبات تعويض، من خلال أربعة برامج تم دمج اثنين منها أخيرًا، ويشير التقرير إلى وجود 3,000 طلب لا تزال معلقة، نصفها معقّد، ما يزيد من معاناة الضحايا.

اتهم ويليامز مكتب البريد في بريطانيا ومستشاريه القانونيين بتبني "موقف عدائي غير ضروري" تجاه المطالبات، ورفض تقديم عروض أولية عادلة في العديد من الحالات، ما خفّض مستويات التسويات المقترحة.

وضمّ التقرير 17 حالة توضيحية أبرزها قصة ميلي كاستليتون، التي كانت في الثامنة من عمرها عندما اتُّهم والدها، لي كاستليتون، بسرقة أموال من مكتبه البريدي. أُجبر والدها على دفع أكثر من 300 ألف جنيه إسترليني.

تعرّضت ميلي للتنمر في المدرسة، وعانت من الاكتئاب وفقدان الشهية واضطرت إلى مغادرة الجامعة مؤقتًا. تقول اليوم، بعمر 26 عامًا: "ما زلت أكافح، كما تكافح مئات العائلات التي دمّرتها محاكمة مكتب البريد".

"العدالة التصالحية" 

دعا ويليامز الحكومة البريطانية ومكتب البريد إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتعويض الضحايا بشكل "كامل وعادل"، مطالبًا بوضع تعريف واضح للتعويض المستحق، وضمان تقديم استشارات قانونية مجانية للمطالبين.

كما طالب بأن يشمل التعويض أسر الضحايا الذين تضرروا نفسيًا وماليًا من الكارثة، وناشد بوضع برنامج للعدالة التصالحية بحلول نهاية أكتوبر المقبل، بالتعاون مع الحكومة وشركة فوجيتسو.

تُعد فضيحة Horizon IT واحدة من أكبر الأخطاء القضائية في تاريخ بريطانيا، بدأت في أواخر التسعينيات عندما اعتمد مكتب البريد البريطاني نظام محاسبة إلكتروني يُدعى Horizon، طورته شركة Fujitsu،سرعان ما ظهرت مشكلات تقنية في البرنامج، إذ أظهر عجزًا ماليًا وهميًا في حسابات آلاف مشغلي مكاتب البريد (Sub-postmasters)، رغم أنهم لم يرتكبوا أي خطأ، وبدلًا من التحقيق في أعطال النظام، اتّهم مكتب البريد هؤلاء الموظفين بالاحتيال والسرقة، وحوكم أكثر من 900 شخص بين 1999 و2015، في حين فُصل آخرون أو أجبروا على تسديد أموال لم يختلسوها.

وتسبب ذلك في انهيارات نفسية، إفلاس، سجن، وحتى حالات انتحار. وفي السنوات الأخيرة، بدأ تحقيق عام كشف أن مكتب البريد ومسؤوليه تجاهلوا الأدلة التقنية، وأصرّوا على "كفاءة" النظام رغم عيوبه.

وطالب آلاف الضحايا اليوم بتعويضات عادلة، وسط ضغوط سياسية وأخلاقية على الحكومة ومكتب البريد لمعالجة ما يُعد فضيحة وطنية بكل المقاييس.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية